شخصيات نسائية من الكتاب المقدس (الشخصية رقم 2 حنه الأم المثالية)

من الشخصيات النسائية في العهد القديم

حنه الأم المثالية
(1صم 
1:1-21 ، 2: 1-19)

معنى الإسم : حنه إسم عبري معناه " حنان . حنون . نعمة "

الروابط العائلية :

   كانت حنة الزوجة المحبوبة لألقانة من رامتايم صوفيم من جبل أفرايم. ألقانة كان رجلاً باراً ينتمى لعائلة محترمة في ذرية يعقوب لها نصيب كهنوتى. ولما كانت حنة عاقراً، فقد شجعت زوجها ألقانة أن يتزوج بسيدة أخرى، كما فعلت سارة لإبراهيم حتى يدوم أسم ألقانة بين أسماء عشائر بنى إسرائيل.

   لما كان الزواج بسيدتين تصرفاً مألوفاً في تلك الأيام، وافق ألقانة علي مشورة حنة وتزوج فننة زوجة ثانية. لا نعرف عن فننة شيئاً سوى أنها أنجبت لألقانة أولاداً كثيرين، وأحزنت حنة بلسانها اللاذع، وأغاظتها غيظاً لأجل المراغمة لأن الرب أغلق رحم حنة.

   كاتب سفر صموئيل الأول لم يتكلم بعد ذلك عن فننة، ولكنه إهتم بحنة التى غسلت خديها بدموعها. أظهر نتائج الزواج بإثنين.

   وذكر أن الرب أعطى لحنة نسلاً، كما ولدت لألقانة ثلاث بنين أُخر و إبنتين ولم يذكر الكتاب المقدس إسم أحدهم (1صم 2: 21)

ذكر الكتاب المقدس عنها :

   أنها كانت من أبر السيدات العبرانيات، عاشت بالروحانية والبركة، وسيرتها نغم محبوب على أوتار الموسيقى يعلن الإنتصار الخالد للحُلم والصبر وطول الأناة، ويبين صفاء قلبها الحساس فيظهر على وجهها تفاعلاتها النفسية وآلامها .

إن حنة مثال حقيقي للبراعم الطيبة التي تنتجها أشواك الحياة الصعبة والقاسية

  إن حياتها الأولى كانت كئيبة وحزينة وإنتهت سيرتها ببركات الإيمان والرجاء. قدمت للبشرية إبنها العظيم صموئيل القاضي والنبي متقمصاً في شخصيته صفات أمه وروحانيتها ووداعتها.

حياة حنة وشخصيتها :

نستطيع أن نلخص حياة حنة في نقاط خمس :

1 - قداستها وطهارتها : 

حنة أم صموئيل سيدة شخصيتها لا عيب فيها فالتقوى تحكم قلبها. حافظت علي علاقتها الدائمة بالله، وحرارتها في الصلاة والعبادة، ومواظبتها على ممارسة الطقوس الدينية. حنة الورعة التصقت بالرب، وتدربت كيف تلتجئ إليه في ضيقاتها، وتلوذ برحمته، ليحل جميع مشاكل حياتها. كانت تصرخ للرب الليل والنهار، لأنها أحبته، وآمنت أنه سيتنازل ويسمع صلواتها. كانت تخافه، وأما قلبها فملآن بحبه.

لقد باركها الله لتقواها وإخلاصها، وصبرها، وتكريس قلبها له، وتضحيتها بأنفس ما لديها وهو إبنها صموئيل الذى اكتسب الكثير من صفاتها وروحانيتها وشخصيتها .

   لم يكن من السهل عليها أن تعيش سنيناً طويلة مع سيدة مؤذية كفننة، ولكنها إحتفظت بصفاء وسكون قلبها فكانت كالزهرة العطرة وسط الشوك .

2 - محنتها :

   كانت لحنة بيت ولم يكن لها منزل عائلي. إن أمل كل يهودية أن تدبر منزلها وتربي أطفالها وترعي عائلتها. كان زوجها مخلصاً لها، ويحبها، ويقدم لها هدايا أثمن من الهدايا المقدمة لزوجته الثانية فننة. هذا التصرف لم يريحها، فقد كانت ترجو أن يكون لها ولد وحاول ألقانة أن يرطب نفسيتها فقال : " أما أنا أخير لكِ من عشرة بنين" (1صم 1: 8)

   كانت حنة تتطلع إلي إبن يخرج من رحمها لتحبه وتلاطفه وتدلله. وكلما تقدمت بها السنون إزدادت آلامها لعدم إنجابها نسلاً. وأثقل همومها هو إغاظة ضرتها لها لأن الرب أغلق رحمها.

   ولما كانت إسماً على مسمى تمسكت بنعمة ضبط النفس أمام الإغاظة المؤلمة والتوبيخ المستمر التي تتفوه به فننة. إن خصمها هو الذى يدفعها لأن تتألم وأن تقلق.

   لا ندهش إذا سّمت حنة نفسها " المرأة الحزينة الروح " . الغيرة تملكت على فننة، ولم تمس حنة لأن قلبها كان مفتوحاً أمام الله مع أن الرب أغلق رحمها. إن مّنْ حولها هم المتسببون لآلامها ولم تسيء لهم حنة بأى تصرف انتقامي. لما أراد زوجها أن يرطب قلبها المجروح ازداد خصمها في توبيخها بطريقة ساخرة " فالحسود البشع يسخر بالطعام الذى يأكله "

الحقيقة أن ألقانة كان يحب حنة، فأعطاها نصيب اثنين. وهذا أضاف بترولاً لازدياد اشتعال نار الغيرة في قلب فننة 

3 - تضرعها وتوسلها :

   حنة المحرومة من إنجاب الأطفال آمنت بقدرة الله، ولازمت الصلاة لتنطلق من آلامها. قامت بعدما أكلوا وذهبت إلي بيت الرب، وبكت متضرعة لله الخالق أن يخلق في رحمها نعمة الأمومة ويتدخل في القانون الطبيعي لرحمها .

   تحركت حنة إلى بيت الرب، وسكبت قلبها أمامه، ونذرت قائلة : " إن نظرت نظراً إلى مذلة أمتك وذكرتني ولم تنس أمتك بل أعطيت أمتك زرع بشر فإني أعطيه للرب كل أيام حياته ولا يعلو رأسه موسي " (1صم 1: 11)

   بإيمان صلت، وبثقة في مراحمه الإلهية اتفقت معه ونذرت، وبأمانتها حفظت عهدها. لقد قدمت سر حزنها لله، وصلّت لا ليقلل من فرح فننة بل ليخلصها من سبب حزنها وألمها. وعندما سكبت نفسها بالصلاة في بيت الله مزق الله قيود رحمها.

بالتأمل فى حنة وهى تصلي نقول :

   كانت حنة تصلي من عمق قلبها، وشفتاها فقط تتحركان، وصوتها لم يُسمع بعد. كانت صلاتها من نوع خاص، بعمق وإنسحاق، حتى ظن عالي الكاهن أنها سكرى. لقد علّمت حنة البشرية أن الصلاة هي تنفس طبيعي للمؤمن سواء أكانت واضحة أو غير مسموعة. إنها لم تنطق بالصلاة ولكن همست برغبتها في روحها، وأرسلت روحها رغبات قلبها سراً أمام عرش النعمة... إستجاب الله صلاتها ووهبها سؤال قلبها.

أن صلاتها إختبار فريد في عصر القضاة، فتقوى حنة كان زهرة يانعة في حقل مجدب.

   عالي الكاهن ظنها سكرى لأنه لاحظ أن شفتيها تتحركان، وصوتها غير مسموع. لم يقصد تأنيبها بكلامه عندما قال : " حتي متى تسكرين. إنزعى خمركِ عنكِ " كان كلامه في صيغة نصيحة بأن لا تأت إلي بيت الرب وهى سكرى. إن إستنتاج عالي السريع أضاف لآلامها ألماً جديداً.

  حنة إعترضت على توبيخها وقالت: "لا يا سيدى إني امرأة حزينة الروح، ولم أشرب خمراً ولا مسكراً، بل أسكب نفسي أمام الرب. لا تحسب أمتك إبنة بليعال. لأن من كثرة كربتي وغيظي قد تكلمت إلي الآن" (1صم 1: 14ـ 16)

   تبين لعالي الكاهن أنها لا تطلب شيئاً لنفسها، بل رغبتها كانت شديدة ليهبها الله نسلاً . أكد لها أن صلاتها قبلت وقال لها : " إذهبي بسلام وإله إسرائيل يعطيك سؤلكِ الذي سألته من لدنه " (1صم 1: 14ـ 17).

صلاة حنة ام صموئيل

   آمنت بوعد الله على لسان كاهنه عالي، ومضت إلى بيتها راضية مرضية، وأكلت، ولم يكن وجهها بعد مغيراً . ذكر الرب حنة، وفي مدار السنة حبلت حنة، وولدت إبناً أسمته صموئيل قائلة : " لأَنِّي مِنَ الرَّبِّ سَأَلْتُهُ "  (1صم20:1 )

4 - تسبيحتها :

تسبيحة حنة وشكرها الرب يرسم خطوطاً واضحة تبين شخصيتها ومواهبها. فهي نبيه وشاعرة بليغة. تفجرت عاطفتها بتسابيح الشكر لجود الله لأنه حقق رغبتها .

تسبيحتها شابهت تسبيحة العذراء مريم القديسة (لو1 : 46 ـ 55) والأنشودة الروحية لحنة تعتبر مزموراً من المزامير، وتفصح وتوضح قوة الله وحكمته ورحمته .

هذه التسبيحة صدرت من عمق قلبها، شكراً لله لاستجابته الصلاة وسنذكر الآن تسبيحتي حنة والقديسة مريم لنوضح التوافق بينهما :

تسبيحة القديسة مريم

تسبيحة حنة أم صموئيل

تعظم نفسي الرب ،

وتبتهج روحي بالله مخلصي ،

صنع قوة بذراعه ،

شتت المستكبرين بفكر قلوبهم ،

أنزل الأعزاء عن الكراسي ،

ورفع المتضعين ،

أشبع الجياع خيرات ،

وصرف الأغنياء فارغين .

فرح قلبي بالرب ،

أرتفع قرني بالرب .

قسي الجبابرة انحطمت ،

والضعفاء تمنطقوا بالبأس ،

الرب يميت ويحيي ،

يُهبط إلى الهاوية ويصعد ،

الشباع آجروا أنفسهم بالخبز ،

والجياع كفوا .

5 - تضحيتها :

   صلت حنة ونذرت، ولما استجاب الله طلبها أوفت وعدها. كل ما كانت ترغبه هو إنجاب ابن ، ولما أعطاها الله صموئيل أعارته للرب ثانية .

   صموئيل لم يولد في عائلة كهنوتية، لكن أمه كرّسته وقدمته وديعة للرب. لقد أعارت صموئيل للرب جميع أيام حياته. لما فطمت صموئيل أخذته لبيت الرب ليعيش هناك كل أيام حياته، وعاشت هي وحيدة في بيتها. إن تضحيتها قبلها الله وعوضها عن صموئيل بأن تنجب لألقانة خمس أطفال. 

  أما صموئيل فكان ينمو متمثلاً بوقار أمه، " وكانت أمه تخيط له جبة وترسلها له من سنه إلى سنة عند صعودها مع رجلها لذبح الذبيحة السنوية " (1صم19:2( .

حنة تقدم صموئيل للهيكل

   كانت حياة صموئيل النبي والكاهن تطبيقاً لأسمه وتشبهاً بأمه وروحانيتها، متمثلاً بوقارها وقداستها .

الدروس التي نتعلمها من حياة حنة واضحة وهى :

1 - شخصية حنة وروحانيتها، والتجاؤها المستمر لله، وتضرعها أمامه كان له الأثر الأكبر في حياة صموئيل، فحذي حذوها .

2 - من معاملة فننة السيئة لحنة، وكلامها اللاذع، يتضح لنا الأثر السيء لبعض كلماتنا القاسية والطائشة التي نقولها للآخرين بدون مراعاة لحقوقهم ومشاعرهم، ونسبب لهم حزناً وألماً. لذلك يجب أن ندقق في الكلام، ونضبط لساننا لذا يقول يعقوب الرسول : " أما اللسان... به نبارك الله الآب، وبه نلعن الناس الذين قد تكوّنوا على شبه الله من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة " ( يع 3: 9، 10)

3 - حنة تحملت إثارات كثيرة من الآخرين وكان قلب الله هو مكان الراحة لروحها الحزينة. ومهما كانت أحزاننا، فرجُل الأحزان ومختبر الأوجاع الرب يسوع يعتنى بنا ويخفف أحزاننا وهو القائل: "مَنْ يمسكم يمس حدقة عينه" (زك2: 8)

4 - حملت حنة تجربتها وآلامها وقدمتها للرب في الصلاة ، وعلّمت الأجيال المختلفة صيغة الصلاة المقبولة أمام الله : بالروح والحق. بالصمت والدموع .

5- قارن الصلاة القلبية الصامتة مع المزمور التاسع عشر والآية 14 القائلة : " لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب صخرتي وحصني"

6 - عالي الكاهن حكم حكماً خاطئاً على تصرف حنة وهى تصلي ونتعلم أن لا نتسرع في الحكم على تصرفات الآخرين. كثيراً ما نخطىء للآخرين بإساءة فهم وتفسير أهدافهم .

7- دافعت حنة عن تصرفها أمام عالي الكاهن ونتعلم من ذلك أن ندافع عن حقوقنا بوداعة و لطف . دافع المسيح عن نفسه عندما إتهموه أن به شيطان فقال : " أنا ليس بي شيطان لكني أكرم أبي وأنتم تُهِينُونَنِي" (يو8 : 48 ، 49) كما دافع بولس الرسول عن نفسه وهو يحتج أمام فَستُوس الوالي (أع26: 24 -26)

No comments:

Post a Comment